لكي نسيطر على مسبّبات ومضاعفات وإشكالات الوزن الزائد والبدانة، ولكي نفهم لمَ تختلف الشهية الى الطعام من شخص الى آخر ومن ظروف الى أخرى، علينا معالجة آفة البدانة من جميع جوانبها وهذا ما انكبّ عليه العديد من الخبراء من أساتذة واختصاصيين واطبّاء وأطباء الرياضة وخبراء في علم التغذية في خلال المؤتمر الأخير للجمعيّات الخاصّة بالبدانة... والموضوع الأهمّ الذي تمَّ تناوله: هناك نوعان من الجوع، ويجب التمييز بينهما بدقّة وإلاّ انخلطت جميع الأمور...!
لمَ نتناول الطعام؟
دعونا لا نتناسى الأمر الأساسيّ الا وهو: لمَ يشعر المرء بحاجة تناول الطعام؟ هل لأنَّ الطعام مفيد ومغذٍّ ام لأنّه سبب اكتفاء ومتعة؟؟ منذ فترة والخبراء يتحدّثون عن تنشئة غذائية بيد أنّهم وحتى اللحظة، قد غفلوا عن طرح الأسئلة أعلاه.. وبالتالي، بعدما تنبّهوا الى هذا التغاضي، فهموا بأنَّ عليهم التحدّث عن تنشئة "طعاميّة". وهكذا، إستهلّت سلسلة النقاشات حول المسألة الأهمّ: ثمّة نوعان من الجوع؛ الجوع الجسديّ البيولوجيّ وهو حاجة حقيقيّة والجوع الانفعاليّ وهو رغبة او نزوة عاطفيّة.. وعليه، يؤكّد الخبراء وجوب دراسة وظيفة الجوع بحذافيرها. للأسف، معظم الصحف والمجلاّت وغيرها من وسائل الإعلام كما وأغلبية الإرشادات الغذائية، تدعونا الى عدم الشعور بالجوع (سدّ الجوع عنوةً)، او تناول الطعام قبل الشعور به،.. وغيرها من الدعوات التي تصبّ باتّجاه قمع او "إسكات" الجوع. بيد أنَّ ذلك بمثابة هرطقة غذائية صحية! حسناً، الجوع مفيد وهو ما يشير الى أنَّ جسمنا يحتاج الطاقة. هذا صحيح كلّياً وإنّما دعونا لا ننسى بأنَّ الجوع على نوعين كما ذكرنا سابقاً ويجب التمييز جيّداً بينهما. لا بل من الأساسيّ تلقّن كيفية فهم هذا الشعور او الإحساس. بادىء ذي بدء، الجوع البيولوجيّ هو نتيجة نظام داخليّ لضبط وتنظيم الطاقة، وموازنتها بين الحصص المبتلعة والحصص المنفقة. الوطاء Hypothalamus وإذ يتلقّى المعلومات من المستَقْبِلات الموجودة في الكتلة الدهنية، هو ما يرسل او يطلق إحساس الجوع. وإنّما، هذا النظام المثاليّ نظرياً، قد يضطرب او يصاب بخلل، وذلك لسببين:
1- إحتمال الخلط بين الجوع البيولوجيّ والجوع الانفعاليّ. بالفعل، عند الولادة، يكون الجوع الانفعاليّ هو القاعدة؛ يغتذي الطفل من الحليب، الدفء والحبّ، وإن جرت كلّ الأمور على ما يرام، يعادل الطعام الراحة والرضى بالنسبة إليه. إنّما، مع نموّ الطفل، تتعقّد المسألة شيئاً فشيئاً: إمّا يتعلّم كيف يحتوي او يدير انفعالاته لضبط مزاجه الداخليّ، او يستمرّ في استعمال الطعام كوسيلة لنسيان انزعاجه. من الصحيح أنَّ الطعام يهدّىء ولكن، لكم من الوقت؟ يحاول الشخص استعادة حالة الأمان او الطمأنينة التي طبعت طفولته وإنّما بدون جدوى! بالنسبة له، أن ينفصل عن الطعام (او يتخلّى عنه) هو كأن ينفصل عن ذراعيّ أمّه..
2- ثمّة عامل خلل آخر: عندما يسعى الشخص بكلّ إرادته، الى التحكّم بتغذيته بواسطة أفكاره، وذلك بلا احتساب إدراكاته الحواسيّة. نورد بعض الأمثلة: لا أشعر بالجوع وإنّما، يجب ان اتناول الطعام او ما زلت اشعر بالجوع وإنّما لا يجدر بي تناول الطعام... عدم احتساب (او الأخذ بالاعتبار) الحاجات الغذائية، إستراتيجيّات المراقبة و/او التحكّم بها كتقنين الحصص، تجنّب تناول الطعام او على العكس التعويض،... جميعها يقود لا محالة الى انفعالات سلبية: قلق مفرط، إحباط، شعور بالذنب، عدم أمان،... وغيرها من المشاعر السلبية التي لا تسمح بمقاربة مسألة التغذية بهدوء وارتياح.
يجب العمل على الباطن..
كلّ هذه الانفعالات تضرّ بقابليّة إدراك وتبيّن الجوع البيولوجيّ. هذا الأخير يتطوّر ببطء وعلى مهل، وهو قادر على الانتظار ريثما يتمّ إشباعه او سدّه، يضفي الراحة والرضى، قد يكتفي بلقمة خبز أحياناً او القليل من الماء، او أيضاً ينجم عن محفّز بيولوجيّ. وأمّا الجوع الانفعاليّ فيظهر بشكل حادّ وفجائيّ، ويطلب سدّه او إشباعه على الفور وقد يفضّل حلوى بالكريما او ربما هامبرغر، يضفي شعوراً بالذنب وينجم عن محفّز نفسيّ. تلك فروقات أساسيّة تدعو اليوم الخبراء والاختصاصيين الى تفضيل التنشئة الطعاميّة على التنشئة الغذائية. تقول إحدى الاختصاصيّات في علم التغذية: "يجب ان يكون فعل الاغتذاء لحظة متعة، مشاركة وضيافة وليس فقط عبارة عن فعل ابتلاع بروتينات او نشويات. من جهة أخرى، من الضروريّ لا بل من الحيويّ العمل على إدارة "باطن" (داخل) فعل تناول الطعام وليس عبر قوانين وتعليمات خارجيّة... بعض المراجع: Collectif national des associations d'obèses- CNAO
- عنوان: الجوع: حاجة او رغبة؟
- منشور من طرف:
- تاريخ: 12:40 AM
- العلامات: