بناءً على المفهوم المثبت والقائل بأنَّ الذوق و/او المذاق ينمو ويتطوّر مع نموّ الطفل والتقدّم في العمر، يقرّر الخبراء اليوم التركيز على كيفيّة تهذيب وتطويع هذه الحاسّة المميّزة عند الولد وتحديداً خلال تواجده على مقاعد الدراسة... ولهذا الغرض، تُعقد وفي غير بلد ندوات وجلسات مدرسيّة هدفها الأوّل والأخير: تربية الذوق عند التلميذ، ليسعى الى مذاقات متوازنة ومتنوّعة، فلا يكتفي بأطعمة دون سواها ولا يستثني الأطعمة النافعة ولو غريبة او غير مألوفة...
ثقافة اجتماعية غذائية
يؤكّد العلم بأنَّ المذاقات تتطوّر واحياناً تتبدّل بحسب السنّ، فتنتقل من الأبسط، اي المذاق الحلو (السكّر)، والمفضّل عند الطفل منذ ولادته، الى الأكثر تعقيداً، كالمذاق المالح، المرّ، او الحامض.. بيد أنَّ معطيات اليوم مختلفة او شبه "منحرفة"، بحيث نلاحظ عند الراشد تراجع الميل نحو المرّ، مع شبه خمول وكسل في التوجّه نحو مذاقات جديدة و/او نكهات غريبة مبتكرة او صعبة الاكتشاف! إنطلاقاً من ذلك، الخبراء على توافق تامّ: يجب لا محالة إيقاظ ذوق الأطفال في سنّ جدّ مبكرة، وذلك ليتمكّنوا من اختبار الأطعمة المتنوّعة والانفتاح على مذاقات جديدة ولو معقَّدة...
في الواقع، العادات والتقاليد كما وثقافة الأهل هي من يوجّه الأكثر ذوق الأولاد متى بلغوا مرحلة الرشد. وإنّما، لا يجدر تناسي الدور المهمّ الذي تلعبه المدرسة في هذا الإطار (عبر المقاصف المدرسيّة والتغذية في المدرسة مثلاً). يؤكّد خبراء تغذية الأطفال: أن تُسنح للولد وفي أبكر سنّ، فرصة الاهتمام بأطعمة متنوّعة المذاقات، يخوّل الحصول على تنوّع غذائي كافٍ وسليم. أبعد من الأهل ايضاً، ثمّة عناصر أخرى يجدر أن تلعب دوراً في تسهيل تربية وتنمية ذوق الأطفال. بالفعل، كلّ أمر يربّي ويهذّب: الثقافة، المفردات اللغوية، العادات المنقولة سواء بشكل إرادي او لاإرادي... الإخوة والأخوات، الأقارب، جميعهم يربّي ويثقّف الولد ويفتح له باقته الحواسيّة. هنا، يتحدّث الخبير عن "تثقيف اجتماعيّ غذائي" أكثر منه عن "تربية غذائية".
دور المعلّمين والمقاصف المدرسيّة
في المدرسة، ومهما كانت المناهج او المواد المعتمدة، بوسع المعلّمين والأساتذة (خلال بعض الصفوف) توجيه تلاميذهم الى الذوق والتوازن الغذائي. في الواقع، قد عمدت بعض المعاهد الى إجراء اختبارات من هذا النوع في الآونة الأخيرة. تقول إحدى المدرّسات: "دروس الذوق والمذاق التي أطلقناها تمّت بالشراكة والتضامن والتعاون مع التربية الوطنيّة، وقد انشأنا مرجعيّة كاملة من أجل معلّمي وأساتذة صفوف الابتدائي والتكميلي، وهي متوفّرة عبر موقع الإنترنت الخاصّ بوزارة التربية.." على سبيل المثال: في العديد من المناطق، قد تمّ تطوير برنامجاً رئيساً؛ عدد من الجلسات (من 8 الى 10) تدور حول مصادر المنتجات الغذائية، مروراً ببطاقات التصنيع والمواصفات الغذائية وصولاً الى النوعيّة. وقد عمد القيّمون الى تقييمها ثمّ اقتراحها ضمن إطار تنشئة المعلّمين والأساتذة، مع تأمين المواكبة اللازمة والمختصّة لدروس الذوق هذه.
يجب الذهاب الى أبعد من "محتوى الأطباق"
بالفعل، يجب أن تعطي تربية الذوق مفاتيح أساسية للولد، كي يتلقّن كيفية الاغتذاء بشكل متوازن وسليم. بعض المدارس قد عمدت بالتعاون مع السلطات المختصّة ومجموعة من الاختصاصيين (تحديداً معاهد الفندقيّة) الى ابتكار صفوف للذوق تمتدّ على مدار العام الدراسي. خلالها، يتنقّل التلاميذ من البستان والمزرعة الى افخر الوجبات المقدّمة في المطاعم وفنون المطبخ. ايضاً، يركّز الخبراء عملهم على مسألة هدر الطعام. في الواقع، تبقى المقاصف المدرسية أفضل مكان لتنشئة الأولاد على مختلف مذاقات ونكهات الأطعمة. وإنّما اليوم وللأسف، لا تستطيع جميع المقاصف تحقيق هذا الهدف، نظراً لنقص الإمكانات المادّية. لكنَّ الخبراء يؤكّدون: "من غير المقبول تقديم غذاء سيء او ناقص في المقاصف، بحجّة غياب الإمكانات..، لا بل إن شئنا تنشئة الحواس، فأحد مفاتيح النجاح يكمن في المطاعم والمقاصف المدرسية..". لذا، من المهمّ للغاية تأمين التنشئة الضروريّة لكلّ فرق المواكبة والمراقبة.
وعليه، من واجب المقاصف المدرسية السماح للتلاميذ بالحصول على تغذية سليمة متنوّعة. بعض الأولاد لا يتناولون الطعام ما خارج المقصف، وهذا الأخير يخوّلهم الحصول على وجبة متوازنة. لا ننسينَّ بأنَّ المذاق والذوق عبارة عن وسيلة للاندماج بالعالم.
يؤكّد أحد الخبراء: "علينا السفر بمقاصفنا.. يجب أن نفتحها على ثقافات وحضارات العالم. فالذوق ينقل قيماً عديدة كاحترام عمل الآخرين، من المزارعين الى الطهاة..."
بعض المراجع:
الجمعية الوطنية لمدراء التغذية الجماعيّة – فرنسا (AGORES)
- عنوان: مدرسة الذوق...
- منشور من طرف:
- تاريخ: 11:57 PM
- العلامات: