في الواقع، النقاش في ذروته: هل من الممكن أن تساهم بعض الأطعمة "الصحيّة" في الوقاية من الأمراض السرطانيّة؟ ما زال شبح السرطان يبثّ الهلع عند الجميع! ذلك لأنّه قد يطال ايّ شريحة عمر وأيّ شخص كان.. وكأنَّ هذه الآفة تحرّرت من كلّ القيود. حتى ولو تمّ تسجيل تقدّمات عملاقة في الطبّ بيد أنَّ الحالات السرطانية بالمقابل، تبدو في ازدياد أكثر فأكثر.. ثمّة من يسلم بالتأثير الوقائي للتغذية السليمة المدروسة وثمّة من يدحض ذلك إذ أنَّ المصادر والعوامل المشجّعة عديدة ومتنوّعة ولا تشمل إطار الأطعمة فحسب.. فما هي الحقيقة اليوم؟
يريد الطبّ بثّ الطمأنينة..
ربّما في أسرتنا، بين أقاربنا او اصدقائنا وتحديداً عند شريحة البالغين، نصادف او صادفنا حالات من مرض السرطان، لا وبل باتت هذه الأخيرة أكثر رواجاً على مرّ الأيّام.. بالمقابل، يريد الطبّ طمأنتنا وذلك عبر إعلان نتائج إيجابية جديدة: هكذا، فرص الشفاء من سرطان معيّن أصبحت تبلغ أكثر من 50% وبعض انواع السرطان قد تشفى بالكامل! على الرغم من ذلك، ليس الشعب مطمئنّاً لا وبل يخشى هذا المرض الذي يرعبه. في الواقع، هذا الخوف طبيعيّ، فإن كانت بعض انواع السرطانات قابلة للمعالجة والشفاء، ثمّة أخرى لا تنذر بالخير! على سبيل المثال: من الممكن شفاء سرطان الخصية عند الرجل 100% في حين أنَّ سرطان البنكرياس حالة حرجة وجدّ خطرة، إذ يهدّد الحياة منذ تحديد التشخيص.
وإنّما...
من البديهيّ أن نخاف، لا بل الخوف من السرطان مبرَّر وذلك ل3 أسباب وجيهة: - شدّة تواتر المرض: الإحصاءات هي الشبح المخيف الأوّل! 50% من الرجال وحوالى 33% من النساء قد يطالهم السرطان في بلد معيّن. ومؤخّراً وللأسف، مع انتشار آفة التدخين تحديداً، قد ضرب التواتر ب 4 لدى النساء. مع العلم بأنَّ السرطان هو سبب الوفاة الأوّل لدى الذكور والثاني لدى الإناث. إنّما، ما يطمئن في المجال: ثمّة فرصة من 50% في استمرار المريض على قيد الحياة بعد مضي 5 سنوات على تشخيص حالته. وتلك نتيجة إيجابية للغاية.
- المداواة الكيميائية: المستغرب هو أنَّ العلاجات المضادّة للسرطان هي ما يخيفنا الأكثر، تحديداً المداواة الكيميائية. حتى ولو لم نضطرّ الى الخضوع لها فما نسمع عن ثقل وعدائية ادويتها والتي نادراً ما تكون مصوّبة بدقّة نحو الخلايا المريضة، يجعلنا نرتعد امامها. عبر مكافحتها الخلايا الورميّة، هي تفسد توازن كلّ جهاز الجسم مسبّبةً التعب، القيء، تراجع المناعة، بدون ذكر تساقط الشعر.. ايضاً، إمكانية استئصال بعض الأعضاء المصابة قد تشكّل جزءاً من العلاج، وخسارة الرحم او الثدي عند المرأة مثلاً هي لوحدها محنة شاقّة...
- الانتكاسات المحتملة: متى كشف السرطان، عولج وربما شفي، يبقى الخوف من الانتكاسة او معاودة المرض موجوداً. حتى في حالات الشفاء التامّ، تبقى خشية استيقاظ المرض مجدّداً راسخة في زوايا ذاكرتنا. ربّما تتراجع مع الزمن او تمحّى كلياً من ذهن البعض، وإنّما هذا وقف على طبع المريض. عندها، تجرى الكشوفات المراقبة بانتظام، ولو على فترات متباعدة متى استتبّت الأمور وتمّ تدبّر الحالة في وقت مبكر. بيد أنَّ انتظار النتائج، مصدر توتّر بحدّ ذاته.
بروز السلاح الغذائي..
إزاء كلّ هذه العناصر المختلفة، من البديهيّ أن نفكّر بسبل تجنّب ظهور المرض اساساً. من هنا، حملات التوعية والوقاية والتي تصوّب بشكل خاصّ على عاملين خطرين: التدخين وفرط استهلاك المشروبات الكحوليّة و/او المنبّهات. فكلّ الجسم الطبيّ والسلطات الصحيّة على اتّفاق بوجوب الإقلاع عن العادتين السيئتين المذكورتين، كشرط لصيانة الصحّة والسلامة. بيد أنَّ ذلك لا يكفي! من هنا، برزت اهميّة ودور ما يبتلعه جسمنا كلّ يوم من طعام وشراب، سواء في مكافحة او تشجيع ظهور المرض. وعليه، التغذية اليومية المدروسة تصبح اليوم اكثر فأكثر طريقة وقائية إزاء خطر الإصابة بسرطان.
كتاب مميّز..
في كتابه الذي يحمل العنوان: "Anticancer" (مضادّ للسرطان) تطرّأ المؤلّف الراحل دافيد سيرفان شرايبر، الى 3 تغييرات اساسية زادت من عوامل الخطر في الأعوام الأخيرة الا وهي: فورة استهلاك اصناف السكّر، تحوّل وتبدّل طرق الزراعة وتربية المواشي، إزدياد التعرّض لمنتجات كيميائية متنوّعة. بيد أنَّ السرطان من الأمراض الالتهابيّة إذ "ثمّة سرطان نائم في كلّ واحد منّا". بالتالي، علينا التصرّف عبر حركات وعادات يوميّة وطرق عناية طبيعيّة لإبعاد طيفه. وقد تناول مجموعة من النصائح المدعِّمة لدفاعات الجسم الطبيعية نذكرها في ما يلي بإيجاز:
إزالة و/او تصريف السموم: عبر استبعاد الأطعمة الأقلّ منفعة وإلغاء بعض العادات السيئة:
- إلغاء التدخين
- تخفيف استهلاك السكّريات وخاصّة السريعة منها واستبدالها إن امكن بشراب الغوافة، سكّر جوز الهند، عسل الأكاسيا،..
- تجنّب اصناف الطحين الأبيض قدر المستطاع.
- اختيار الأطعمة البيولوجية ورقة إضافية رابحة كونها أكثر صحّة، وإنّما ليست أكثر توازناً من ناحية معادلة الأوميغا-3 والأوميغا-6. بالتالي، يوصى باستهلاك لحوم المواشي التي تربّت في المراعي وليس فقط الخاضعة لتغذية بالصويا او الذرة (وهذا يشمل ايضاً كلّ المشتقّات الحيوانية من حليب، اجبان، زبدة او بيض).
- تفضيل الزيوت النباتية الطبيعية غير المهدرجة، كزيت الزيتون، الكولزا،..
- عدم استهلاك اكثر من 500 غ من اللحم الأحمر واللحوم الباردة في الأسبوع.
- إبتياع الخضار والفاكهة الأقلّ عرضة للمبيدات مع تفضيل الموز، البرتقال، الكليمنتين، الأناناس، الغريب فروت، البطّيخ،.. على التفّاح، الإجاص، الدراقن، الفراولة،... كذلك الأمر بالنسبة للخضار: تفضيل البروكولي، الكرنب، الفطر، الطماطم، الباذنجان، البازيلاّء، على الفلفل الأخضر، اللوبياء، البطاطس او الخسّ والخيار. بيد أنَّ المبدأ يبقى بوجوب استهلاك الفاكهة والخضار مهما كانت.
- تغذية مكافحة للسرطان:
المبدأ حسب المؤلّف هو ما يلي: بعض اطعمة تغذيتنا اليومية بمثابة "اسمدة" تساعد الأورام على النموّ، على عكس بعضها الآخر. وعليه ينصح بالتالي:
- إستهلاك الشاي الأخضر
- تفضيل زيت الزيتون - تناول الصويا فهو صنف جيّد، شرط عدم الإسراف منه
- إستعمال البعض من الكركم لتنكيه الأطباق كونه من اهمّ مضادات الالتهاب
- إستعمال الأعشاب في الطهو كالنعناع، إكليل الجبل، الصعتر، الأوريغانو،.. وايضاً البصل والثوم. - إستهلاك الكرنب (من سلالة الصليبيّات)
- تناول الثمار الحمراء وإنّما ايضاً الخوخ، النكتارين والدراقن، ما لم تتوفّر الحمراء..
هل تعلمون؟
تجميد الأطعمة يسمح بالحفاظ على مزاياها باستثناء الأوميغا-3 الموجودة في الأسماك وثمار البحر التي تفقد حتى 30% من محتواها. امّا نوع الطهو فيسمح ايضاً بالحفاظ على مكوّنات الأطعمة، مع العلم بأنّه لا يجدر غلي الكرنب من نوع البروكولي.
الخلاصة: مع او ضدّ..؟
بعد صدور الكتاب المذكور، إختلفت الآراء الخبيرة حوله ما بين مناقضة ومساندة، فرأي الصندوق العالمي للأبحاث المكافحة للسرطان صبّ في مصلحة الكتاب، إذ أصدر بحدّ ذاته ومنذ عدّة اعوام، توصيات غذائية وحياتية جدّ محدّدة، مشابهة لنصائح المولّف في المجال. أيضاً، أتت لجنة مراقبة موقع المؤلّف الإلكترونيّ بأدلّة ملموسة حول التزام اسماء كبرى في مجال الطبّ، ايّدت التوصيات الصادرة في الكتاب. بالمقابل، علّل المناهضون وجهة نظرهم بافتقار الكتاب الى الأدلّة العلمية كما والنفسية والتحليل النفسيّ، إذ لم يبرز المؤلّف دور العامل النفسيّ في ظهور السرطانات، خاصّة وأنَّ نخبة من علماء النفس تربط السرطان مباشرة بفرط التوتّر والضغوطات النفسيّة. في كلّ الأحوال، سواء مع او ضدّ، لم يهدف الكتاب لا الى تشويه الحقائق او تضليل القارىء وإنّما الى تدعيم مناعته لجعل كلّ الفرص تصبّ في مصلحته. إذاً، الهدف من التوصيات الغذائية التي أوردنا، هو الحدّ من خطر ظهور المرض، او تأخيره او تجنّب الانتكاسة، وأحد لا ولن يصدّق بأنَّ شرب الشاي الأخضر وتناول البروكولي قد يكفيان للحفاظ على صحّة الجسد والنفس...
- عنوان: هل التغذية المضادّة للسرطان "حقيقة"؟
- منشور من طرف:
- تاريخ: 6:48 PM
- العلامات: