إعرف وجع ظهرك

نؤذي الإسطوانات الفقريّة من حيث لا ندري 

هذه الإسطوانات قريبة من الغضروف. نسبة 80% منها مؤلَّفة من الماء، من الكولاجين، البروتينات والخلايا.. بيد أنَّ تركّز الماء فيها مربوط مباشرةً الى القوى التي تُمارَس عليها وهذه الأخيرة تتنوّع وتتقلّب حسب وضعيّة الجسم. هكذا، قد برهنت الأبحاث أنَّ وضعيّة الجلوس تزيد من الضغوطات الممارسة بنسبة 40%. ايضاً، قد تنتقل قوّة الضغط من 1 بار (bar) اي القيمة الأدنى، في وضعيّة التمدّد على الظهر، الى 5 بار حال الوقوف! وقد تبلغ حدّ ال 23 بار في حال حملنا ثقلاً من 20 كلغ مع تجويف الظهر...! وإنّما، بالمقابل، يمكن تخفيض هذا الضغط الى 17 بار إن عمدنا الى ثني الركبتين. تحت الثقل، تتشوّه الإسطوانات وتعاني بصورة كبيرة، سواء كانت مرصوصة مضغوطة او مفرطة التمدّد او التوسّع، وذلك حسب تكيّفها مع حركات انثناء او تمدّد العمود الفقريّ. وما لم ننتقل سريعاً الى وضعيّة الإنقاذ اي وضعيّة الاستلقاء على الظهر او حتّى إن اوجزنا فترة الاستلقاء، عانت الإسطوانات للغاية. هل تعلمون مثلاً بأنَّ الدراسات الأخيرة قد بيّنت بأنّه على امتداد 24 ساعة، ينتقل طول الإسطوانات من 1 الى 2 سنتم وبأنَّ قامتنا تطول عند استيقاظنا أكثر منها عند خلودنا الى النوم؟؟

لكثرة تسخيرها، قد تنتهي هذه البنية بالتَلَف او التأذّي كأدنى حدّ. مثلاً: الإسطوانة والتي يكون محيط دائرتها ليفيّاً وقاسياً، وإنّما داخله جدّ رخو، قد تتشقّق عند مستوى قسمها الخارجيّ، تحت تأثير جهد واحد وليس بالضرورة عنيف او على إثر مشقّات متكرّرة. عندها، قد ينزلق الجزء المركزيّ ليبرز طرفه في القناة السيسائية، بمحاذاة الجذور العصبيّة، كجذر العصب الوركيّ على سبيل المثال. وهنا، يظهر ما يعرف بالفتق الإسطواني او Disk hernia. امّا في حالات أخرى، فقد لا تنزلق الإسطوانة الى خارج بنيتها وإنّما تتلف بسبب الضغط المتكرّر: هكذا، يؤلمنا العمود الفقريّ.

في الواقع، ألم الظهر مسألة معقّدة، كونها مربوطة الى عدّة عوامل متنوّعة ومتداخلة أحياناً. ما خلا الأسباب الأولى الأربعة الرائجة والتي ذكرناها في المقدّمة، تأتي عوامل أخرى لتُفاقِمَ الوضع: المشقّات المتكرّرة خلال العمل (حمل أثقال او اوزان، تكرار بعض الحركات باستمرار، إهتزازات وارتطامات،...)، آثار صدمة او عطب (حادث، رياضة مكثّفة او خاطئة)، ترقّق العظام (من عوامل الكسور الفقريّة)، داء المفاصل، تشوّه من نوع السكوليوز (إنحناء الصلب الى الجانب)، مرض روماتيزميّ تفاقميّ،...