على الرغم من كلّ الدراسات الغذائية وإرشادات خبراء واختصاصييّ التغذية وغيرها من النصائح والتقييمات في المجال، يبقى المستهلك شبه حائر وسط المنافع والموانع..
لهذا، وانطلاقاً من المعطيات العلميّة المتوفّرة، قد اختارت مجلّتنا الإضاءة اكثر على بعض اصناف الأطعمة الصديقة لجسمنا وذهننا على حدّ سواء والأصناف التي تعمل على وقايتنا من المشاكل والأمراض.. على أن نستعرض في كلّ مرّة مجموعة منها بحسب مكوّناتها ومزاياها.
أطعمة ممتعة وأكثر..
من قال بأنّه علينا تناول اطعمة غير شهيّة وغير ممتعة لننتفع غذائياً وصحياً؟ على الإطلاق! فهناك فئة كبيرة من الأطعمة - المتعة التي تمنحنا السرور والارتياح من: عسل، توابل، شاي وقهوة او كاكاو ،... وإنّما تزوّدنا في الوقت عينه بالصحّة. أجل، فهي خير حليف ضدّ الأمراض العصبية التنكّسية كما وتدافع عن الجسم إزاء التعدّيات، وكلّ ذلك بفضل مزاياها المضادّة للتأكسد او المطهِّرة.
التوابل: خير بديل للملح
هل تعلمون بأنَّ التوابل المنكِّهة فازت بالاختبار الذي يحدّد قدرة مواد معيّنة على امتصاص الأجذار المؤكسجة؟ هذا الاختبار خير مرجع لقياس القدرة المضادّة للتأكسد في صنف غذائيّ ما. هكذا، يأتي كبش القرنفل في الطليعة، تليه القرفة، فالكركم. إنّما، وللأسف، لا يتعدّى معدّل استهلاكنا اليوميّ لتلك التوابل وغيرها بضعة غرامات! في الواقع، من الممكن زيادة استهلاك التوابل إن استبدلنا الملح بها. بالفعل، هذه التوابل تضاعف النكهة والمذاق في حين تخلو من كلورور الصوديوم، اي، تخلو من اهمّ عامل مساهم في فرط ارتفاع الضغط وفي ظهور الأمراض القلبية الوعائية. على سبيل المثال: إن حذفنا نصف الكمية اليومية المستهلكة من الملح (5 غ عوضاً عن 10 غ)، سمحنا بتراجع نسبة الحوادث الوعائية الدماغية، ب 23%، والأمراض القلبية الوعائية ب17% حسب دراسات منظّمة الصحّة العالمية.
ايضاً، مذاق التوابل البارز يسمح بزيادة استهلاك الأطعمة الغنيّة بالمغذّيات كالخضار والفاكهة، والتي "تعاني" من قلّة نكهتها قبالة الأطعمة الدهنية، المالحة والحلوة التي تعتبر المفضّلة لدى المستهلك.
القهوة والشاي: من المنبِّهات الوقائية
مشتقّة عن بذور شجيرة إثيوبيّة، تعدّ القهوة كالمشروب المنبّه والمنشّط الأكثر شهرة في العالم. يبلغ معدّل استهلاك القهوة السنويّ عند الفرد الواحد، ما لا يقلّ عن ال 9 كلغ، وذلك في معظم البلدان. مادّة القهوة الفاعلة الأولى: الكافيين. يحتوي فنجان واحد متوسّط الحجم من القهوة المصفّاة على 115 ملغ من الكافيين تقريباً. ولكنّها ايضاً موجودة في الكاكاو (45 ملغ من الكافيين في 30 غ من الشوكولاته السوداء)، في مرطّبات الكولا (43 ملغ في العبوة الواحدة)، المتّى (70 ملغ في الفنجان)... وايضاً في الشاي، حيث تعرف احياناً بالشايين (45 ملغ في الفنجان). امّا الحصّة اليومية الموصى بها كحدّ اقصى فهي من 300 ملغ للمرأة و400 ملغ للرجل. في الآونة الأخيرة، قد ازداد اهتمام الخبراء العلميين بفنجان القهوة السوداء، في مجال الوقاية من الأمراض العصبية التنكّسية (آلزايمر، باركنسون،..) وامراض السرطان. هكذا، أظهرت الدراسات الإحصائية أنَّ احتمال الإصابة بالآلزايمر، اقلّ عند مستهلكي 3 الى 5 فناجين من القهوة في اليوم، حتّى ولو لم تنجح بعد في شرح الأسباب. عند المصاب بالباركنسون، تزيد الكافيين من تأثيرات ل- دوبا وهو حمض امينيّ سابق لتكوّن الدوبامين التي تستعمل في العلاجات، وإنّما بدون تحسينها للأعراض. ايضاً، تلمّح بعض الدراسات الخاصّة بعلم الأوبئة، الى وجود تأثير وقائيّ للقهوة إزاء بعض السرطانات: سرطان القولون، المستقيم، الكبد، البشرة، الثدي، البروستات.
في الشاي مثلاً، وهذا المشروب عبارة عن نقاعة ورقة شجيرة الشاي (Camellia sinensis)، قد تمّ إثبات المفعول الوقائيّ لأحد متعدّدات الفينول، ضدّ السرطان، وإنّما فقط لدى نماذج حيوانية وخلوية وبجرع تفوق بكثير معدّلات استهلاك الإنسان من الشاي. وإنّما، نذكر أنَّ الشاي الأخضر مسجّل منذ زمن طويل في الصيدليّة العقاقيريّة. ينصح باستهلاكه لمحاربة التعب، ولمرافقة الحميات المنحِّفة نظراً لمفعوله المدرّ للبول. وإنّما من الأفضل عدم شربه خلال الوجبات لأنَّ فلافونويداته الكثيرة قد تعيق امتصاص الحديد الغذائيّ.
ملاحظة: يستحسن عدم شرب الشاي ساخناً للغاية. شأنه شأن ايّ مشروب ساخن، قد يزيد من احتمال ظهور سرطانات وتقرّحات في تجويفة الفم، البلعوم والحلق والمريء. كذلك الأمر بالنسبة للقهوة...
عزّز معلوماتك
لطالما حصر الخبراء جزيئات القهوة الواقية بالكافيين فحسب. بيد أنَّ القهوة تحتوي ايضاً على عناصر اخرى فاعلة، كالأحماض الفينولية. هكذا، تشير الدراسات الى أنَّ الحمض الكلوروجينيّ، يلعب دوراً كبيراً في تحسين المزاج في حين يكافح الحمض الفيروليّ تكدّس اللطخ السابقة لظهور الآلزايمر. وإنّما، ما زال الخبراء يجهلون ما يلي: إن تمّ جمع كلّ هذه الجزيئات، هل تحافظ على المفعول ذاته؟
العسل: مطهّر ومضادّ للجراثيم
يزور النحل مئات النبتات الزهرية في العالم بغية إنتاج افضل انواع العسل الطبيعيّ. لطالما استعمل العسل منذ القديم كغذاء مقوٍّ ولمحاربة اوجاع الحلق والحنجرة. وها هو اليوم يستعيد شهرته ونجوميّته لدى اوساط الباحثين العلميين، وذلك بفضل مزاياه المطهّرة والمضادّة للجراثيم. ليتمّ حفظ الرحيق (الذي يحتوي على 50% من الماء)، يعمد النحل الى إزالة رطوبته عبر اجتراره بصورة متتالية، الى أن تتدنّى رطوبته حتى ال 17%. عندها، تجتمع ضآلة الرطوبة هذه مع النسبة المرتفعة من السكّر (95 الى 99% من المادّة الجافّة) ومع المؤشّر الحامض، لتمنع نموّ وتكاثر البكتيريا. امّا هذه الميزة المطهِّرة فمربوطة ايضاً الى وجود بروتينات معيّنة تمنع تكاثر البكتيريا وتنشّط العناصر الدفاعيّة التي تدعّم المناعة في الجسم. في الطبّ إذاً، يُستعمل العسل كعلاج مرافق لمكافحة قرحة المعدة، وإنّما ايضاً لتسهيل اندمال الأنسجة. من الممكن أن يحلّ العسل مكان السكّر المكرَّر في المطبخ وبالتالي يزوّد بالمعادن (تختلف كميّاتها حسب مصدر العسل)، الأمر الذي لا يؤمّنه السكّر الأبيض.
عزّز معلوماتك
البروبيوتيك وهي عبارة عن جراثيم حيّة موجودة إمّا طبيعياً في بعض الأطعمة (ملفوف، حليب مختمر،...) او تتمّ إضافتها في بعض الصناعات الغذائية اللبنية، تعتبر كجراثيم تحمي وتقي الأمعاء. هي تنتمي الى عدّة اصناف وفئات اشهرها: العصييات اللبنية او Lactobacillus والبكتيريا المنشطرة او Bifidobacterium، والتي تستعمر نبيت القناة الهضميّة وهي حيوية بالنسبة لجهاز المناعة. وقد تمَّ إثبات مفعولها في الوقاية من الإسهال المربوط باستهلاك المضادات الحيوية وفي التحسين من أعراض متناذرة القولون الحسّاس.
بعض المراجع:
قسم الأبحاث لدى ال Inserm – كلية الطبّ- ستراسبورغ