Saturday 21, Dec 2024

داء السكّري "التافه"

في الواقع، ليس تافهاً بقدر تسميته، وإنّما مقارنةً بداء سكري النوع الأوّل وسكري النوع الثاني، يصفه الطبّ بالسكري "التافه" او Diabetes Vulgaris او Diabetes insipidus. فما الفارق بين هذا النوع والنوعين المعروفين اليوم؟ هل من أعراض ظاهرة ومؤشّرات منذرة؟ وهل يجب الإبكار في التشخيص؟ وما هي وسائل التشخيص والعلاج؟ فلتقرأوا هذا المقال لمزيد من التوضيح..
 
البوال "التافه": ما هو؟
تأتي التسمية من اللغة اليونانية وتعني: المرور عبر او الاختراق. السكّري "التافه" عبارة عن مرض مربوط بكثرة التبوّل، يتميّز بشعور شديد بالظمأ وبتصريف كميّات كبرى من البول. امّا هذا البول فقليل الكثافة لا بل لونه خفيف وشبه شفّاف. ولا يتراجع فرط التبوّل حتى ولو عمدنا الى التخفيف من كميّات السوائل المستهلكة. بالمقابل، لا يساهم تخفيف كميات الماء او السوائل في زيادة كثافة البول والذي يبقى شفّاف اللون. ممَّ يأتي هذا البوال؟ 
ثمّة حالات متنوّعة من السكّري التافه: 
- السكري التافه المركزيّ ويأتي من نقص او عجز في هرمون مضادّ لدرّ البول (ADH) يفرزه الوطاء.
- السكري التافه الكلوي المنشأ ويأتي بسبب عدم حساسيّة الكلى تجاه الهرمون المذكور: لا يؤثّر الهرمون المفرز طبيعياً، على القنوات الكلوية الصغرى والتي تستهلّ مقاومة مفعوله. 
- السكري التافه المولّد للعطش وهو يأتي نتيجة خلل او أضرار في آلية العطش (يحدّد في موقع الوطاء)
- السكري التافه الخاصّ بالحمل والمربوط بازدياد بروتينة الفازوبريسيناز التي تنتجها المشيمة. فهي تتلف هرمون ال ADH. 
- ايضاً، قد ينجم السكري التافه عن اتّخاذ علاج ببعض الأدوية المعيّنة. 
امّا الحالة الأكثر شيوعاً فهي الأولى، اي السكري المركزيّ.  
 
* لمَ يعرف بالتافه او العاديّ؟ 
ذلك لغياب السكّر في البول على عكس ما يحدث في انواع السكري الأخرى. مع العلم بأنَّ السكري التافه حالة شبه نادرة إذ لا يصيب سوى 3% من الأشخاص. 
 
* هل من مؤشّرات او اعراض منذرة؟
في حال الإصابة بالسكّري التافه، يستهلّ المريض شرب الماء والسوائل باستمرار (خاصّة المياه الباردة او المثلّجة حتّى) واحياناً خلال الليل ايضاً، إذ يبدو ظمأه لا متناهياً. امّا سريرياً، فغالباً ما يظهر المرض بشكل مفاجىء او سريع التدرّج، وذلك عبر فرط تبوّل شديد قد يبلغ ال 8 الى 10 لترات في اليوم الواحد (احياناً، قد يصل الى 15 او 20 لتراً). امّا هذا البول، فشبيه بالماء، قليل الكثافة، ولا يحتوي لا سكّر ولا زلال. عدا ذلك، يكون المريض في حالة صحية جيّدة، إلاّ إن كان جسمه مفرط الترطيب (اوجاع رأس، غثيان،...) او على العكس قليل الترطيب (ما لم يستطع الشرب ما يكفي من الماء). 
 
* كيف يتمّ التشخيص؟
عادةً، يجب البحث عن مجموعة من الأعراض تسير باتّجاه مرض عصبيّ: اوجاع رأس، إضطرابات بصريّة،.. او مرض نفسيّ: إعاقة عقليّة، إضطرابات معرفية إدراكية، هلوسات،... او ايضاً سابقة عطب او إصابة في جمجمة الرأس او حتى قصور كلويّ. إجمالاً، لا تظهر الفحوصات البيولوجية المعهودة (قياس الأيونات في الدم والبول) ايّ خلل، إلاّ فقر دم جدّ خفيف، في بعض الحالات. لهذا تحديداً، يعتبر التصوير بالرنين المغنطيسيّ الفحص الأساسيّ للبحث عن سبب او مصدر السكري التافه. امّا الحالات المجهولة السبب والتي تشكّل حوالى 30%، فقد تعود الى مرض وراثيّ في الأسرة. 
ملاحظة: السكري الكلوي المنشأ عند الطفل الرضيع والذي لا يستطيع التعبير عن عطشه، يظهر عبر اجتفاف بالغ في الجسم مرفق بحمّى، تقيّؤات واختلاجات. 
نظراً لطابع المرض الصامت، غالباً ما يحتاج الطبيب الى إجراء اختبارات مكمّلة وذلك لتأكيد التشخيص. إختبار التقنين المائيّ او ما يعرف باختبار الظمأ الليليّ، هو ما يسمح بتحديد اهمّ 3 اسباب:
- خلل في آليّة الشرب، وذلك عبر فرط تجرّع الماء والسوائل
- خلل دماغيّ في إنتاج الفازوبريسين (ADH) في موقع الوطاء، او خلل في إفرازات النخامى الأماميّة. 
- خلل في ردّة الفعل الكلوية تجاه إفراز الADH. 
ويجري الاختبار في المستشفى، ذلك للتعويض سريعاً عن ايّ اجتفاف محتمل. يراقب الفريق الطبيّ الوزن، الضغط الشراييني ومعدّل درّ البول. امّا إجابة الجسم الطبيعية على الاجتفاف، فتتجلّى عبر تركّز البول وانخفاض كمّيته. يسمح الاختبار المرتكز على الفازوبريسين بتحديد النقص المحتمل في هرمون الADH. ومن الممكن إجراء اختبارات أخرى مكمّلة ايضاً، نذكر من اهمّها تلك التي ترتكز على قدرة بعض الأدوية المضادّة لدرّ البول. 
 
* يجب عدم الخلط بين السكّري وبين الخلل السلوكيّ
على الاختصاصيّ وضع تشخيص دقيق للغاية، وذلك لوجود مرض ذي اعراض سريرية شبيهة: "البوتومانيا" او ما معناه: خلل سلوكيّ يولّد رغبة جامحة لشرب الماء. واحياناً قد تفوق الكمية المشروبة تلك التي يُحتمل تجرّعها في حالة السكّري التافه، وكذلك الأمر بالنسبة لكمّية البوال. عندها، قد يكون التشخيص التمييزي مع البوتومانيا صعباً ومعقّداً، فإن طال الخلل السلوكيّ المذكور، قد يعيق إفرازات هرمون ال ADH. مع العلم بأنَّ السكري التافه قابل للشفاء في حين تستمرّ سلوكيّات المريض. وعليه، قد يتبوّل بكميات مفرطة (سكري تافه يغذّي ذاته بذاته). ايضاً، قد تُرصد في بعض الأحيان، اضطرابات اولية في مركز الظمأ (سواء بسبب عطب او ورم عند مستوى الوطاء). أحياناً أخرى، قد يلجأ الطبيب الى اختبار خاصّ يعرف باختبار إزالة العادة، مرفق بمداواة نفسية مناسبة. الهدف؟ إقناع المريض بشرب كمية أقلّ واتّباع تغذية خالية من الصوديوم، واتّخاذ دواء مضادّ لدرّ البول يُستبدَل تدريجياً بعلاج وهميّ او بلاسيبو. 
 
* العلاج المناسب
العلاج وقف على سبب او مصدر المرض. في شتّى الأحوال، يجب منع الإصابة بالاجتفاف كما والحؤول بالمقابل، دون فرط الترطيب. بعدها، يصار الى موازنة الحالة عبر اتّباع حمية غذائية قليلة الملح. امّا معالجة السبب إن وجد، فحتميّة. 
الديسموبريسين عبارة عن مادّة شبيهة بهرمون ال ADH وهي ذات مفعول مضادّ لدرّ البول بغاية القوّة والفعاليّة. تُمنح على شكل قطرات داخل الأنف وبمعدّل مرّة الى مرّتين في اليوم. ومن الممكن إرفاقها ببعض الأدوية (تيغريتول، ليبافلون،..) بغية تخفيف الجرعات. 
 
تنبيهات:
- الجرعة الزائدة من الديسموبريسين قد تؤدّي الى شبه جمود في الجسم. هكذا، يتمّ احتباس الماء في الجسم بشكل غير طبيعيّ، فيخفّف من كثافة الدم، ما يقود الى انخفاض نسبة الصوديوم، الأمر الذي قد يؤدّي بدوره الى اختلاجات، غيبوبة او وفاة في اسوأ الأحوال. 
- السكّري التافه الكلوي المنشأ والناجم عن اتّخاذ دواء او علاج مطوَّل بالليتيوم، قابل للعلاج وبنجاح بفضل الأميلوريد (مدرّ للبول يحفظ البوتاسيوم ويُستعمل عادةً بالتزامن مع مدرّات أخرى من نوع التيازيديك على سبيل المثال)
 
بعض المراجع:
- موسوعة ويكيبيديا
  • عنوان: داء السكّري "التافه"
  • منشور من طرف:
  • تاريخ: 7:35 AM
  • العلامات:
Top